أعمدة
الإسلام والغـرب.. صــراع أم حـــوار؟
عفاف الجمري
الإسلام والغـرب.. صــراع أم حـــوار؟
عفاف الجمري
عندما تزور الغرب وفي مقارنة موجزة بين العلاقة بين الحضارة الإسلامية والغربية وموقف الطرفين من بعضهما تجد الغرائب، فمن ناحية ميدانية الحضارتان متداخلتان على مر التاريخ ومازالتا بحيث لا يمكن إبعاد تأثير إحداهما على الأخرى سواءً بالسلب أو بالإيجاب. ومن ناحية الوضع الراهن تجد أنه بالنسبة للغرب مثلا عندهم شحن كبير سلبي ضد المسلمين بغض النظر عن كونهم متشددين أم معتدلين عنيفين أم سلميين. وتغذي ذلك وسائل الإعلام بمختلف مستوياتها من صحف وتلفاز. وتفرد لذلك برامج في محطات مثل محطة الـ CNNوالتي عرض فيها على سبيل المثال منذ نحو شهرين برنامج يتحدث عن المسلمين واستمر عرضه لمدة اسبوعين أو أكثر ركز فيه على المسلمين المتشددين الذين يدعون إلى العنف والعمليات الانتحارية وقد أظهرهم وهم يعاملون النساء بمهانة شديدة حتى أنهم يطردونهم - كما يطردون البهائم - من المساجد، وتنشر مقالات في الصحف تعدد السلوكيات السلبية للمسلمين وتنسبها للإسلام نفسه ولا يشار للتيارات المعتدلة إطلاقاً ولا المتنورة التي تكرم المرأة.
والمسلمون - كما يشتكون - أصبحوا بعد أحداث 11/ 9 في أميركا 7 و/20057 في بريطانيا يعانون البطالة والتمييز الشديد، بل إن المفارقة أنه حتى في إحدى الدورات الدراسية التي تعقد على مستوى دولي لبث أفكار الديمقراطية وثقافة العدالة بين الشعوب وتحمل اسم العدالة ومحاربة التمييز يتم التمييز فيها بصور قاتلة ضد الطلبة الإسلاميين مع أنه يتم انتدابهم من بلدانهم كضيوف لبث أفكار العدالة بين الشعوب واهانتهم تعني إهانة البلدان التي ينتمون إليها والدين الذي يدينون به.
هذا في الغرب أما في الدول الإسلامية فنجد تيارات مختلفة بين من يؤمن - بنظرية المؤامرة في كل شيء ويفسر كل شي بالمؤامرة ويدعو للانغلاق في وجه أي شيء آتٍ من الغرب على مستوى السياسة والثقافة والفكر ويؤمن بالعنف كأسلوب لمواجهة المد الغربي سواء السياسي أم الثقافي وبالعودة للقديم بحذافيره دونما محاولة عصرنته على أسس إسلامية وبين من لا يهتم ويذوب في كل ما هو آتٍ من الغرب من صالح أو طالح ومن هؤلاء خصوصا حكام الشعوب الإسلامية وبين من يضع له مصفاة يختار بها الصالح ويترك الطالح. على أنه في الغرب هناك تيارات مختلفة تدعو إلى الحوار والبعد عن التصادم وتؤمن بأن ما حدث ويحدث من تصادم إنما هو مدبر من قبل صناع القرار اليهود المتحكمين في السياسة الأميركية ولأجل أطماع اقتصادية وتوسعية من مثل السيد مايكل مور صاحب فيلم ‘’فهرنهيت 9/’’11 الذي يفضح فيه أسرار 11 سبتمبر والحرب على العراق، لكن هذه التيارات ليست سائدة فالسائدة هي التي تؤدلج للتصادم مثل صاحب نظرية صدام الحضارات صامويل هانتنغتون الذي يقول إن الصدام بين الإسلام والغرب حتمي وعليه فإنه ‘’يقتضي أن يحتفظ الغرب بالقوة الاقتصادية والعسكرية الضرورية لحماية مصالحه’’.
في حين أننا لو تأملنا لرأينا أنه لا غنى لحضارة عن أخرى فلا الغرب يستغني عن الحضارة الإسلامية والعكس صحيح لأن التراكم الحضاري يؤدي لرقي الإنسان فكل حضارة تأخذ من الأخرى ما نبغت فيه وبتفاعلهما وبالحوار المبني عل الاحترام المتبادل والمساواة والذي لا يعني أن تذوب حضارة في أخرى وتنسحق بل تحفظ هويتها وتحاور من أجل الوصول لآفاق أرحب وفي ثقافتنا الإسلامية ‘’الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها’’. على أن نميز بين الغث والسمين وفي هذا المضمار لدينا مفكرون يدعون للحوار أبرزهم الدكتور محمد خاتمي الذي أطلق مشروع الحوار بين الحضارات وتبنته الأمم المتحدة في العام ,2001 ولا يعني هذا الانبهار بالحضارة الغربية وفي الوقت ذاته لا يعني عدم الإعجاب بإنجازاتها التي لا يستهان بها والمتمثلة في التقدم العلمي على أنه تمتاز حضارتنا بالروحانيات والمثل العليا من تماسك الأسرة والمجتمع الذين يفتقدهما الغرب، يقول سبحانه وتعالى: ‘’ولو لا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض’’
وفي سورة أخرى ‘’لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد’’ في إشارة إلى أهمية التدافع بمعنى التنافس في الخير البناء بين مختلف الشعوب والذي يدفع الفساد الكوني ‘’لفسدت الأرض’’ والفساد البشري ‘’لهدمت صوامع وبيع’’. على أن هذا الحوار له متطلبات كثيرة، أولها: أن يكون مبنياً على الاحترام المتبادل والمساواة.
ثانيها: بالنسبة لنا كمسلمين نحن بحاجة لنفض الغبار عن أنفسنا وأن نغوص في تراثنا لنبني حضارة تواكب العصر أصولها ثابتة في القرآن ونقدمها كنموذج عملي محترم يحصل على إعجاب العقلاء وبعد ذلك نستطيع أن نحاور.
ثالثا: أن ننتقل من ردود الأفعال إلى المبادرة بالأفعال، من الدفاع التنظيري عن النفس إلى المبادرة بالنقد البناء للنفس أولا وللحضارة الغربية ثانيا مع طرح البدائل.
رابعا: أن نصلح بيننا ونقضي على الصراعات الطائفية كما فعل الغرب فيما بينهم.
خامسا وأخيراً: كما نريد من الغرب ألا يعمم أخطاء بعض المسلمين على جميعهم فإن الغرب كذلك، فصحيح أن حكوماتهم محتلة ولكن لديهم مؤسسات إنسانية ومفكرون معتدلون وعادلون، لا ترضيهم سياسات حكوماتهم أما شعوبهم فهم ضحية تضليل إعلامهم وتصرفات بعضنا.
اختكم $اخت القمر$..ا